دروس من حياةالعذراء مريم
القديسة العذراء مريم
القديسة العذراء مريم تقف في كل أجيال التاريخ في نقطةالمركز من دائرته، لقد اختارتها نعمة الله لتصبح رابطة بين السماء والأرض، بينالفردوس المفقود والفردوس المردود، وفي شخص وليدها ومن اجله، ألا نعظم اللهمعها، ألا نعظم الله من أجلها، ألا نشترك مع جميع الأجيال في تطويبها، فنقول معأليصابات : "مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك".
من هي مريم
+++ مريم اسم عبري معناه "مُر"، ويحتمل أنه اسم مُشتق من كلمة "مريامون" الهيروغليفية،وفي الآرامية فإن اسم "مريم" يعني "أميرة أو سيدة"، وقد جاء هذا الاسم لأول مرةفي الكتاب المقدس لمريم أخت موسى وهرون، وقد تسمت القديسة العذراء بهذا الاسم "مريم"، الذي انتشر بعد ذلك مرتبطاً بمكانتها وشخصيتها.
+++ يعود نسب القديسة العذراء مريم إلى زربابل، من عائلة وبيت داود، وهذا ما يؤكده البشير لوقا فيكتابته لبشارة الملاك لها حين كلًّمها قائلاً "فقال لها الملاك لا تخافي يا مريملأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذايكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيتيعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 30 – 33).
+++ ومن الدراسة المتأنية نجد أن البشير لوقا يؤكد هذه الحقيقية، أن العذراء مريم ووليدها يَعُودَان لسبطيهوذا، وبالتحديد بيت داود، فنراه يسجل بشارة الملاك جبرائيل لها مُبرزاً حقيقةأن المولود منها هو ابن داود، وهذا ما هو واضح في قول زكريا الكاهن "مبارك الربإله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاهُ" (لوقا 1: 68، 69).
نستطيع أيضاً أن نتعرف على بعض أفراد عائلتها، فنعرف أنه كانلها أخت جاء ذكرها في بشارة يوحنا عند حادثة الصلب حيث "كانت واقفات عند صليبيسوع أُمُّهُ وأخت أُمِّهِ مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية" (يوحنا 19: 25). وأنها أيضاً نسيبه أليصابات (لوقا 1: 36)، أم يوحنا المعمدان.
كانت الخطبة فيالشريعة اليهودية عهداً أبدياً لا ينفصم، وما الزفاف إلا حفل تنتقل فيه الفتاة من بيت أبيها لبيت رجلها، ووفقاً لهذه الشريعة كانت الفتاة المخطوبة بمثابة زوجة لخطيبها، ولو مات خاطبها أثناء فترة الخطبة وقبل الزفاف تُعتبر الخطيبة أرملةخاضعة لشريعة الزواج من أخي الزوج (تثنية 25: 5-10)؛ ولم يكن ممكناً للفتاة أوعائلتها أن يفُضَّا علاقة الخطوبة هذه إلا بكتاب أو وثيقة طلاق، كما أن هذهالعادات أو الشريعة ما كانت لتسمح بوجود علاقة جنسية بين الخطيب وخطيبته قبلإعلان حفل الزفاف وإلا اُعتبرا في حُكم الزناة .
وفقاً لهذه الشريعة، كانتالعذراء مريم مخطوبة لرجل من بيت داود، اسمه يوسف (لوقا 1: 27)؛ كان يوسف رجلاًباراً، فحين عَرِفَ بأمر حبل خطيبته، لم يشأ أن يُشِّهرَ بها، أراد تخليتهاسراً، ولكن فيما هو مُتفكر في هذه الأمور جاءته بشارة الملاك قائلة "يا يوسف ابنداود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيه هو من الروح القدس" (متى 1: 20).
لم تكن العذراء مريم، أو يوسف رجلها من العائلات الغنية، فيوسف نجاربسيط، وحين جاءت ساعة ولادتها، لم تجد غير المذود لتلد فيه، وحين أرادا أن يقدماالطفل يسوع في الهيكل حسب عادة الناموس، وعن تطهيرها حسب الشريعة، لم يحملامعهما إلا زوج يمام، أو فرخي حمام، وهي تقدمة الفقراء.
العذراء الفتاة الطاهرة
كانت الفتاة الصغيرة العذراء مريم، تعيش في مدينة تدعى الناصرة، وهيمدينة في الجليل، لم تكن ذات أهمية، وقد كانت بلدة محتقرة، وأقل ما يقال عنهاأنها بلدة شريرة ومدينة آثمة لا يمكن أن يأتي منها شيئاً صالحاً، وهذا ما قالهنثنائيل حين عَرَف أن يسوع من الناصرة فقال "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح" (يوحنا 1: 46).
في هذا الوسط عاشت العذراء مريم، لكنها كانت كالنور الذي يشعوسط الظلام، كانت فتاة طاهرة، نقية الأخلاق، تحيا حياة القداسة، حسب دعوة الله "وتكونون لي قديسين لأني قُدُّوس أنا الرب، وقد مَيَّزتُكُم من الشعوب لتكونوالي" (لاويين 20: 26). كانت في علاقة حيه، وصحيحة مع الله.
كانت تعرف الكتبالمقدسة وتحفظ منها الكثير، وحين ترنمت بأنشودتها العذبة كانت تستمد كلماتها ممافي ذاكراتها، وقد كانت كلمات تَغَّنت بها حنة، وترَّنم بها كاتبالمزامير.
إلى هذه الفتاة جاءت نعمة الله، لتدعوها لتكون أُماً للمسيح، ابنالله، الذي اشتهت الأجيال أن يُولد فيما بينها، وتمنت النساء أن يأتي منهن،ويالها من نعمة تلك التي تأتي من الله لتختر إنساناً، وتمنحه ما لا يستحق،فالنعمة هي أن يُمنح شخصاً شيء لا يستحقه، وما كان للإنسان أن يدخل في علاقةصحيحة مع الله، ما لم يتدخل الله بنعمته ليصنع طريقاً من خلال تجسد ابنه يسوعالمسيح فنستطيع أن نصبح أولاداً لله.
جاءت شهادة الله لحياة الطهارة والنقاءالتي للعذراء مريم بين جميع النساء فيما قاله الملاك جبرائيل، إذ بدأ كلامه معها "وقال سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء" (لوقا 1: 28).
لم تتمالك أليصابات نفسها حين زارتها العذراء مريم، وامتلأت بالروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك، فمنأين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ، فهوذا حين صار صوت سلامك في أذُنيَّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني، فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من الرب" (لوقا 1: 42- 45)
كانت حياة العذراء مريم تختلف عن كثيرات من بنات زمانها، فلم تسايرأهل بلدتها، بل كانت تعيش حياة النقاء، وحياة الاتصال الدائم بالله، والشركةمعه، والارتباط بكلمته المقدسة، فكانت شهادة السماء لها في شخص الملاك جبرائيل،واختيار الله لها لتكون أم المسيا، وكانت شهادة الأرض لها في شخص يوسف خطيبهافيما أراد ألا يُشَهِر بها، وشهادة قريبتها أليصابات.
العذراء الفتاةالخاضعة
يتجلى خضوع العذراء مريم في قبولها لمشيئة الله، فهي الفتاة المخطوبة،التي لم تعرف رجلاً بعد، تأتيها بشارة الملاك لتُخبِرها بأن إختيار السماء وقععليها، لتكون أُماً لابن الله، يسوع المسيح، وبالرغم من أن هذا الأمر كانمشتهى النساء، وقد كن يتمنين أن يحملِّن بهذا الوليد، وأن تصبح أماً للمسياالمنتظر، إلا إنهن ما توقعن أبداً أن يأتي اختيار السماء لفتاة عذراء، في بلدةبسيطة، لا
يعرفها أحد، وهذا ما حدث مع العذراء مريم، فقد اختارتها نعمة الله،لتكون سبيله للتجسد وولادته بين البشر، كان الأمر صعباً، ويبدو مستحيلاًقَبُولَه، فكيف يرى الناس فتاةً مخطوبة، لم تتزوج بعد، لكنها حُبلى ! ماذا تقوللخطيبها ؟ كيف يتقبل هذا الأمر مهما كانت شهامته؟. إن الشريعة اليهودية آنذاكتعتبر هذا الأمر زنا، وعقوبة الزنا هي الرجم، فكيف تفسر الأمر لمجتمعها بأن الذيحبل فيها هو من الروح القدس؟ وهل ترى يصدِّقون، أم ماذا يحدث ؟.
كل هذهالأسئلة كانت ستتوارد لفكر أي فتاة أخرى في موقف العذراء مريم، وقد يمكن أن لاتقبل هذا الأمر، لكن ما حدث مع العذراء القديسة مريم هو أنه في كل خضوع وتسليملمشيئه الله، وقناعة باختياره، قَبِلَت هذا الأمر، وحين سألت الملاك كيف يكـونهذا وأنا لست أعرف رجـلاً؟." (لوقا 1: 34)؛ لم يكن ليس تساؤل الخائف، أو غيرالمؤمن، بل كان تساؤل من يريد أن يعرف، فكيف لعذراء أن توجد حُبلى، وتلد ابناً،دون أن يَمسسها رجل، أو أن تعرف رجلاً؟.
وقد أجاب الملاك جبرائيل مُعطياًتفسيراً للعذراء، قائلاً "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلّلُكِ فلذلك أيضاًالقـدوس المولود منك يدعى ابن الله"(لوقا 1: 35)؛ وكشف ملاك الرب ليوسف خطيبهاأمر الحبل المقدس حين جاءه في حُلمٍ قائلاً "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذمريم امرأتك، لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمهيسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائلهوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعُّون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (متى 1: 20 – 23). كان خضوع العذراء وتجاوبها مع دعوة الله لها، هو الطريق الذيهيأ به الله جسداً له ليدخل منه إلى العالم (عبرانيين 10: 5).
وكما بدأالملاك كلامه مع العذراء بالتحية، إبعاد الخوف عنها بقوله "لا تخافي ."، أنهىمعها حديثه بخبرٍ مشجع، عن قريبتها أليصابات، حين أخبرها قائلاً "وهوذا أليصاباتنسيبتك هي أيضاً حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعـوةعاقراً لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله" (لوقا 1: 36 – 38).
كان قَبُول العذراءمريم لرسالة الملاك، ما يجعلها في تَميّز واضح عن سارة، المرأة المتزوجة،العاقر، حين سمعت رسالة الله بولادة ابن لها في شيخوختها، ضحكت، لأنها أعتبرت أنالوقت فات لحدوث مثل هذا الأمر (تكوين 18: 9-15)، وزكريا الكاهن حين ظَهر لهملاك الرب، خاف واضطرب، حتى بعدما بشَّره الملاك بأن الله قد سَمِع لطلبته وسوفيُعطى ابناً، لم يُصدِق، فكيف وهو شيخ، وامـرأته متقدمة في الأيام أن يكون لهولدٍ؟. (لوقا 1: 12-18).
أما العذراء مريم فحين سمعت البشرى السارة، لم تَخف،ولم تضطرب، ولم تشك، بل قالت في كل خضوع وإيمان " هوذا أنا أمة الرب، ليكن ليكقولك" لقد قبلت رسالة الله لها حتى وهي في روف بشرية مستحيلة.
إن الله قادرأن يعمل المعجزات، وما نراه مستحيلاً علينا، لا يستحيل عليه، لكنه يتطلب منا أن تجاوب مع ما يطلبه منا لا بالضحك، أو الشك، لكن بالقبول والخضوع ليحقق أعمالهالعجيبة. مريم الفتاة الوديعة المتواضعة لقد تميَّزت القديسة العذراء مريمبالوداعة والتواضع، فحين جاءتها البشرى بمولد يسوع المسيح، ابن الله، من خلالحَبلِها المقدس، لم تتفاخر أو تتنفخ، بل بكل وداعة وتواضع قالت للملاك "هوذا أناأَمَةُ الرب ليكن لي كقولك" (لوقا 1: 38)؛ وحين قامت وذهبت لزيارة أليصابات وسمعت هتاف أليصابات مباركة إياها، قائلة مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرةبطنك فمن لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ .
فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلي إتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأنالقدير صنع بي عظائم واسمه قدوس"
(لوقا1 : 41 – 49).
تأتي الوداعة حينيُدرِك الإنسان قيمته الحقيقية أمام الله، وحين يدرك أنه خاطئ لا يستحق إلاالموت كنتيجة طبيعية لخطيئته، وحينما يرى هذا الإنسان ما يجزله له الله من عطاءوسخاء وغفران، فإن الموقف الطبيعي هو الشكر والتسبيح لله على أعماله ونعمته،ورحمته، وعطاياه.
إن ما حدث مع العذراء مريم حين بشَّرها الملاك بولادة المسيا،منها لم يجعلها تتباهى فخراً، أو أن تنسب لنفسها استحقاقاً لاختيار الله لها، بلبكل وداعة قالت "هوذا أنا أَمَةُ الرب ليكن لي كقولك"، وحين هتفت أليصابات منشدةأنشودتها في العذراء قائلة "مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك" كانتجاوب العذراء معها هو "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إليإتضاع أمته".
لقد كانت العذراء مريم تُدرك أن إختيار الله لها إنما هو نعمة أسبغتها عليها رحمة القدير، وخصَّتها بها، وفي لحظات فرحها وإنشادها لم تنسإحسانات الله لها، فترنمت لله الذي خلّصها، واختارها لتكون أما ليسوع، القديرالذي صنع بها عظائم فقالت مريم تُعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنهنظر إلي إتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيـال تطوبني لأن القدير صنع بيعظـائم، واسمه قـدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقـونه" (لوقا 1: 49).
إن الوداعة هي الطريق لإعلان الإنسان عن سر ابتهاجه وفرحه الحقيقي أمامالله، فتأتي أناشيد الشكر، والترنم بالتسبيح في حضرة الله كأجلى بيان عن عظمةنعمة الله، كما أنها الطريق لربح محبة الأخرين وإقامة علاقة سليمة بين الإنسانوأخيه الإنسان، وهي أسلوب حياة يدعونا السيد المسيح لنتعلَّمه منه، أسمعه يقول "..تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى 11 :29).
عرفت العذراء مريم الوداعة والتواضع فعرفت كيف تحيا في علاقة حية مع الله،وأن تعلن للآخرين حياة المحبة التي تمجد الله.
مريم أم يسوع
مريم أم يسوع هذا هو اللقب الأكثر إنتشاراً عن العذراء مريم في علاقتها بالسيد المسيح فيتجسده، وهو اللقب الذي يذكره عنها كُتَّاب العهد الجديد (يوحنا 2: 3، 19: 25-26،لوقا 2:48، مرقس 3: 31-33، مرقس 6: 3، أعمال 1: 14).
حين تمت ولادة الصبي يسوع أصبحت العذراء مريم تُدعى "أم يسوع"، وهكـذا عَرِفَها كُتّاب البشائر، وكأمقامت بواجبها نحو ابنها، فبعدمـا "تمت أيام تطهيرهـا حسب شريعـة موسى صعدوا بهإلى أورشليم ليقـدمـوه للرب" ( لوقا 2: 22).
وفي الهيكل تقابلا، العذراء ورجلها يوسف مع رجل اسمه سمعان، كان هذا رجلاً باراً ومشهوداً له في أورشليم، وكان قدأوحي اليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، وحين شاهد المسيح عرف أنه الابن الموعود به، وحين تعجبا يوسف ومريم حين شاهدا ما عمله سمعان الشيخ، باركهما، "وقال لمريم أمه (أي أم يسوع) ها إن هذا قد وضع لسقوطوقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم، وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيفٌ، لتعلنأفكار من قلوب كثيرة" (لوقا 2: 25 – 35).
وفي علاقة العذراء مريم بابنها يسوعنجد تحقيقاً لهذه النبوة "وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف"، والكلمة المستخدمة هناللدلالة على السيف، في أصلها اليوناني تعني السيف كبير الحجم مثل الذي كانجليـات يستخدمه، السيف الحاد الطويل، المخيف.
"يجتاز في نفسك سيف" كانت هذهنبوة عن مِقدار الألم التي سوف تجتازه العذراء، وقد جاز السيف أعماقها، فمنذ أنبشَّرها الملاك بولادة المسيح، جاز في نفسها سيف، حتى وإن عرفت سر هذا الحبلالمقدس، كان عليها مواجهه خطيبها يوسف، وهي لم تعرف كيف يتقبل هذا الأمر، وحينأراد تخلِّيتها سراً رغم ما في ذلك من عدم تشهير بها،وتقديراً لها، إلا أنه موقفبالضرورة تألمت لأجله، وحين واجهت مجتمعها وهي حبلى قبل أن يتم الزفاف كعادةاليهود، بالقطع أمر كان له تأثيره عليها، وفي مطاردة هيرودس لوليدها، وتغرَّبهاعن بلادها، وحين رفض اليهود رسالة
ابنها لهم، رسالة الله لخلاصهم، حين كانت ترىمقاومتهم له، بل محاولة قتله وطرحه من أعلى الجبل (لوقا 4: 29)، حتى أقرباؤهيتهمونه باتهامات باطلة، دون أن يعرفوه المخلص، الذي جاء لخاصته (مرقس 3 :21)،على أن الاتهام يتجاوز حداً خطيراً، فهـا هم الفريسيون والكتبة، وهم قادة الدين،يوجهون اتهامهم له بأنه يعمل معجزاتـه ويخرج الشياطين بقـوة بعلزبـول (متى12: 24)، ويصل الأمر إلي قمة ذروته، وقت الصلب حيث ترى العذراء ابنها معلقاً علىخشبه الصليب، وهي واقفة تنتحب باكية لا تستطيع أن تعمل شيئاً من أجله (يوحنا 19: 25).
آه .. كم كان رهيباً ذاك السيف الذي أجتاز في نفسك أيتها العذراء وأنتِالمنعم عليها، والمباركة وسط نساء العالمين.
دروس من حياة العذراءمريم
نستطيع أن نستخلص بعض الدروس من حياة القديسة العذراء مريم لتساعدنا أننحيا حياة التواضع، والاستعداد لسماع صوت الله، والتجاوب مع ما يطلبه اللهمنا إن الله لا يدعونا لحياة سهلة، ومريحة بل لحياة أفضل بكل ما تحمل هذه الحياةمن تحديات وصعوبات، لكنه هو ذاته يضمن لنا النصرة والغلبة فيها، ويهيئ لناطريقاً في المواقف الصعبة.
لا يطلب الله منا مؤهلات خاصة، لكنه يطلب القلبالوديع والمتواضع، الإيمان الواثق في قدرته.
حين نخضع لمشيئة الله، فإنه يحققبنا ومن خلالنا أعماله العجيبة، والفائقة المعرفة.
تتضح حياة الإيمان وتظهرعندما نستجيب لما يطلبه الله منا، مهما بدا ذلك مستحيلاً وصعب التحقيق.
يمكنلأي إنسان أن يكون وديعاً ومتواضعاً حين يدرك موقفه الحقيقي في محضرالله، ويتأكد من
غنى نعمة الله الذي يشمله في المسيح يسوع. إن نعمة الله تشملجميع حوانب حياتنا ، وهي تخص الذين يقبلون عمل المسيح بالبنوية لله، لتجعل منهمأولاداً له.
حين تكون علاقة الإنسان بالله صحيحة فإن هذه العلاقة تنعكس علىعلاقاتنا المختلفة بالأخرين، وعلى تقبلنا لمشيئة الله.
الكبرياء هي رفض نعمةالله، أو عدم تقديم الشكر على عطاياه الوفيرة
منقوووووووووووووول